[]
جولة فى اعماقى : _ كتبها الكاتب والاديب :العميد رؤوف جنيدى=نفسى : مكثت غير بعيد منها وجئتها من بين سرائري بنبأ يقين. انى وجدت هموما تملكنى . وأوتيت من كل شئ . ولها على نفسى وقع عظيم . وجدتها و بعضا من جوارحى ينشغلون بالدنيا من دون الله . فخفت أن يزين لهم الشيطان أعمالهم . ألا يركنون لقضاء الله وقدره ويرضون بما تنزل عليهم من عطاء الله . الذى خلق كل شئ بقدر وما أمره الا واحدة كلمح بالبصر ؟ . الا يظنون حسنا بالله الذي يخرج الطيبات من الرزق لعباده . ويخرج الخبء فى السموات والأرض ويعلم ما نخفى وما نعلن ؟ ...... أرسلت واردى وادليت بدلوى متمنيا أن يخرج لى ببشرى . عسى أن تنفعنى أو أتخذها نهجا . مع نفس هى فى الحقيقة ليست أمارة بالسوء ... فهل هى لوامة ؟ ... ام هى مطمئنة ؟ .. أم غير مطمئنة...... رافقتنى فى رحلتى داخلها ..
عبر أحد أروقتها سرنا معا . وبعد حين فتحنا بابا أنبأنا صرير مزلاجه أننا تأخرنا كثيرا . يفضى هذا الباب الى بهو ليس كله سكينة . كان وقع قدمينا على أرضه يصدر رهبة تحمل فى رجعها نقرا ليس كله طربا وكأنه طرقات نذير . يحكى طلاء جدرانه حكاية أيام غافلات لم تطله فيها يد الخشوع ولا لمسات القناعة . تتدلى من سقفه خيوط عنكبوتية المسلك واهنة القوى . علقت ببعضها حشرات سكنت . وحشرجات مازالت تصارع الموت . تترنح جميعها مقلوبة وكأنها فى طلعها رؤوس شياطين . شهدت أنه ( لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ) . استدرت الى نفسى معاتبا لائما فقالت : سل نفسك منذ متى ولم تأت إلى هنا ؟ . تاهت اجاباتى أو بالأحرى ما كانت موجودة . طأطأت رأسى وغادرنا البهو الى ثانى غرفاتى ....
دفعنا الباب فانفتح أحد مصراعيه وأبى الآخر بعد أن ران على مفاصله طول هجرانى . توسطنا الغرفة التى شحت علينا نافذتها بالضوء بعد أن انفلجت أبوابها قليلا . سمعت فيها صوت آذان قادم من بعيد أو هو صدى لآذان رفع هنا يوما . وجدتنى انوى ( أقام الصلاة ) . صليت فردا وحيدا فوق سجادة أبلاها البعد وأكل نسيجها طول الغياب . ومسبحة معلقة ما إن أمسكتها حتى انفرط عقدها . وراحت حباتها تتقافز من حولى وكأننى أقف وسط إناء يغلى . وكتاب التقطته من فوق أحد الرفوف . مسحت غلافه بطرف ثيابى فإذا هو كتاب الله . اغرورقت عيناي بالدمع . ربتت نفسى فوق كتفى آخذة بيدى الى غرفة أخرى ....
تعلو هذه الغرفة أخواتها ببضع درجات أو هكذا ظننت . صعدناها . دخلناها . فإذا بأناس كثيرين . بدا لى من مظهرهم أنهم فقراء . فما رأونى حتى هبوا فرحين مهللين بقدومى . سررت مستبشرا فى هذه الغرفة . عرفت من نظراتهم أن ( إيتاء الزكاة ) لهؤلاء . وان هؤلاء هم من لهم فى أموالنا حق معلوم لكل سائل منهم ومحروم . تبادلت ونفسى نظرات الرضا والطمأنينة على تلك الحفاوة ثم خرجنا .....
انعطفنا يمينا الى غرفة أخرى كتب على جدرانها ما كتب على الذين من قبلنا . لعلنا نتقى الله . أياما معدودات .وحيث أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . ولما كان كل عمل ابن آدم له الا ( صوم رمضان ) فإنه لله . سكتت وتركت أمر نفسى لله الذى هو أعلم بها منى . عازما وإياها . أن إذا شهدنا هذا الشهر فلنصمه كما أمرنا رب الصيام .....
انحرفنا يسارا الى آخر غرفات نفسى . فإذا بجبل مبارك قد تمثل على أرض الغرفة . تتصاعد احجاره على حوائطها وحتى سقفها . يعتليه أناس بلباس أبيض . وكٱنهم فراشات بيض وقفن على غرابيب سود . فى يوم (حج البيت ) . تهز ابتهالاتهم أركان الغرفة . رحت ونفسى نرددان معهم فى خشوع : لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك .. الى آخر تلبية ضيوف الرحمن لنداء ربهم ....
خرجت من الغرفة الى بهو نفسى بخطى بطيئة . إثاقل جسدى الى الارض . تملكتنى رعشة . ارتعدت مفاصلى . خارت قدماى . سقطت مغشيا . اعتلت جسدى برودة شديدة . ثلجى ملمسى . شاخص بصرى . تدور عيناي بإعياء فى الفراغ . تحوم فى أسقف نفسى وعروشها . تنفتح بعض ابواب غرفاتى بعنف . تصطفق . تضربها ريح عاصف . موجات لها دوى كدوى الرعد . تطبق على صدرى . كأننى أصعد فى السماء تارة . أو تهوى بى الريح فى مكان سحيق تارة أخرى . نائم . غائب عن الوعى . أفاقت عيناي قليلا من إعياءها . قمت ولكن كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس . رأيت بابا ينفتح . يخرج منه النور . ويخرج منه أبى حاملا مسبحة تتلألأ حباتها بين أصابعه . وكتابا ينطق بالحق . وخرجت معه أمى وفى يدها سجادة صلاة تحمل طهر روحها وثيابها كما عاهدتها . احتضنانى . هدأت . بدأ الدفء يسرى فى أوصالى . افقت . قمت للصلاة . افترشت سجادة أمى . حاملا بين أصابعى مسبحة أبى . واضعا نصب قبلتى كتاب الله . قارئا فى صلاتى قول الحق . بسم الله الرحمن الرحيم ( قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . ان الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) .....
صدق الله العظيم ........